الباشا غريق يبحث عن ملاّح

   أن يكتب ناقد دراسة عن شاعر أو أديب ما، فإنما يفعل في عرفي، بدافع من ثلاثة:
   أولاً: أن يكون هذا الأدب قد راق له، واستحبه كثيراً، فدفعه هذا الاستحباب الى الكتابة فيه.
   ثانياً: أن يكون هذا الناقد قد مجّ هذا اللون من الأدب، فدفعه امتعاضه وتذمّره الى الكتابة عليه.
   ثالثاً: أن يكون هذا الأدب ينعم بحريّة ليست متوفرة للناقد، فيعمد الناقد عندها الى الكتابة تحته، أي دفع هذا الأدب الى الواجهة والاختباء خلفه..
   لا أدري لماذا أطلقت حكمي باكراً على دراسة الاستاذ محمد زهير الباشا، فقلت للشاعر شربل بعيني: يبدو لي أن الباشا يكتب عن ذاته ومأساته وإن كان يستشهد بأشعارك.
   يومها كانت الدراسة مسودّة، وما كادت تصدر كتاباً، حتى صار الباشا في أميركا "بلاد الانعزالية والامبريالية والرأسمالية".
   اليوم، اسمحوا لي أن أوجّه كلمتَيْ شكر: أولاهما إلى أستراليا بلد الانفتاح الفكري والحريّة "البلا حدود"، وثانيتهما إلى أدبنا المهجري فيها، الذي عرف كيف يغرف من معين هذه الحريّة، فينتج، ويبدع دونما قيود، وها هو الآن منارة تشع في عتمة الشرق.
   أيها السيدات والسادة
   مطلوب مني أن أقف أمامكم الليلة، أن أقول شيئاً ما، ولكن ممنوع عليّ أن أحكي.
   ترى، كيف يمكنني أن أساوي بين أدب متسكّع، مستزلم، مقرحط، وآخر حر، شريف، أنوف كله كبر.
  وكيف يمكنني أن أساوي بين أدب العرطشة القليل الأدب، وبين أدب الالتزام بقضية الانسان ككل، والدفاع عنه في كل زمان ومكان.
   لا، لا مساواة بين الأدب المخابراتي الجبان والأدب الشهم الشجاع الذي يؤمن " انه حتى ولو ان الكلمات ستتجدل حبل مشنقة، فالكفر، كل الكفر أن يلجم اللسان".
   ختاماً، ثلاثة خالدون في عرس الليلة: الأدب المهجري، شربل بعيني، ومحمد زهير الباشا. فهنيئاً من القلب لهم، وكل الشكر لإصغائكم.
يوم محمد زهير الباشا 1989
**