مسرحية "فصول من الحرب اللبنانية" اختصار 12 عاماً من عمر الوطن في ساعتين وحكاية عطاء ونقاء ومحبة وإبداع

    عندما يكتب شاعر نص مسرحيّة يمثّلها أطفال في مدرسة راهبات فهذا يعني أن القصائد تحوّلت فصولاً، والبراءة تغلغلت بالحركات، والقداسة روحنت كل المشاهد.
   فشاعرية شربل بعيني، وبراءة أطفاله، والمحبّة المسيحية الحقّة، كلها تفاعلت معاً، فجاءت مسرحية شربل بعيني "فصول من الحرب اللبنانية" التي أعدها وأخرجها شاعرنا، وقام بتمثيلها 340 طالباً وطالبة من مدرسة سيدة لبنان في هاريس بارك، على مسرح قاعة الكنيسة، بحضور قنصل لبنان العام في سيدني الاستاذ جيلبير عون، والمونسنيور ميشال بو ملحم، والأخوات الراهبات، تتقدمهن الأخت الزائرة المشيرة فيرونا زيادة، والأخت الرئيسة كونستانس باشا. وغصت قاعة السيدة بحضور ناهز الـ 1400 شخص معظمهم من أهالي الطلاب وأقربائهم وأصدقائهم.
   أول ما يلفت الانتباه هو هذا الديكور المسرحي البسيط والمعبّر في آن، إذ أنت أمام لوحة كتب عليها اسم لبنان بالالوان، وتحولت نقطتا نونية الأولى والثانية إلى عينين تذرفان دماً، يتقطر في بركتين تشكلتا من كتابة الاسم.. أما نقطة الباء فهي أيضاً عين زرفت دمعها دماً تجبّل بأكياس المتاريس، فتخضبت بالأحمر القاني.
   المسرحية بدأت في وقتها المحدد، والذين تأخّروا ثواني فاتهم أن يروا بعض مشاهدها، فكأنما شربل بعيني وطلابه ثورة إجتماعيّة بيضاء، تحاول تخليص شخصيتنا الإجتماعيّة مما علق بها من أمراض عدم احترام الوقت، وقلة التقيد بالمواعيد، وإذا الثانية عندهم ثانية، هي جزء من العمر، تقال فيها كلمة، تمثّل حركة، يفتضح أمر أزعر، تسدى نصيحة، ويلطش زعيم.
   أنطوانيت خوري "أم يوسف"، أطلت بكلمة مساء الخير، "وأهلا وسهلا فيكن من دون ما إذكر أسامي" حكيت عن "المدرسه والراهبات اللي عم يتعبوا كتير".. طلبت من الحاضرين "يفتحوا دينيهن منيح" لأن "نحنا زغار وما فينا نعلّي صوتنا" وحكيت عن القسم الثالث بمدرسة سيدة لبنان، وعن مشروع تعمير الثانويّة "يللي رح يبلّش عن قريب.. وقولوا معي انشالله".
   حوار فدبكة، فمشهد لقطات خفيفة الظلّ، سهلة الهضم، بريئة القسمات، طفوليّة التعابير، شاعرية المعاناة، كأنما أنت تقرأ قصيدة من كتاب "مراهقة"، أو تنهم شميلة من "سنابل" شربل بعيني بعدما أغبطك نضج المواسم.
   في "فصول من الحرب اللبنانية" يختال شربل بعيني، ويزهو خياله. ها هو يستعرض حقاً فصولاً من الحرب اللبنانية، مثل البيك:
مسعود بيك لا تهتم
عندك زلم بتشرب دم
وها هو أيضاً يفجّر ثورته على هذا الزعيم "المصلحجي" كما في:
متل ما التران بيلحق سكّتو، الزعيم ببلادنا بيلحق مصلحتو.
   وينقم شربل على الزعيم الذي "عندو رجال بتشرب دم"، ويسخر قائلاً: "شو الدم بيبسي كولا؟"، ويحمل على الذين تاجروا باسم الشعب وبأرضه. ويصور معاناة اللبناني المهجّر في أرضه، والمهجّر منها، الحامل وطنه حبّة تراب في حضنه، والمتحمل قسوة الحرب، وقساوة أمرائها، وظلم الاحتلالات والمؤامرات، والصفقات، وعتمة وصقيع الملاجيء، وغطرسة الدولار، واستبداد الجوع.
   لكن شربل لا ينسى أن يطعّم المسرحيّة بإيمانه العميق في وطنه:
بتضلّك أرض تنين
ألله والإنسان
يا وطني لبنان
   وهو الذي سئم "زعبرات" السياسيين، وانحرافات العقائديين، نافخي طبول الحرب على الشعب اللبناني. نراه يؤلف جيشاً أبيض يسلحه بأغصان الزيتون والأعلام اللبنانية، ويرسله ليخلص لبنان، بعدما فشل السياسيون في ذلك:
إذا الكبار ما خلّصوا لبنان، نحنا بدنا نلبس تياب بيض بلون التلج ونخلصو..
   وهكذا على مدى ساعتين كاملتين، شدنا شربل بعيني وتلامذة سيدة لبنان إلى خشبة المسرح، صوروا لنا واقع الحرب، تأثيرها عليهم، وضعوا أيديهم على الجرح، وسألوا رحمة وشفقة، وأعطوا عظة، وأسدوا نصيحة، فيا ليت صرختهم تدوي في ضمير كل زعيم، وكل مقاتل، وطنياً كان أو خليطاً أو انعزالياً.
   وبعد المسرحية، ألقت الأخت الزائرة المشيرة فيرونا زيادة كلمة شكرت فيها إدارة المدرسة، والشاعر شربل بعيني، على هذا العطاء المميز، واعترفت انها أحست أن لبنان بمعاناته قد انتقل الى هنا، مؤكدة ان وطناً له مثل هذا الشعب الذي نراه في القاعة اليوم لا يزول.. وسيبقى الى الأبد.
   وأوضحت أن لبنان سينتفض من تحت الانقاض مثل طائر الفينيق، وجددت شكرها للمدرسة على هذا العمل الكبير الذي تعجز عنه مدارس لبنان.
صدى لبنان العدد 554، 14/7/1987
**