ألو أستراليا.. هون شربل بعيني

   مسرح يصور مسيرة الهجرة اللبنانية الى استراليا واطفال صغار يروون معاناة الكبار مالئين القلب أملاً.
   مسرحية "ألو أستراليا" التي أعدها وأخرجها وصمم ديكورها الشاعر شربل بعيني، ومثّلها عدد كبير من تلامذته في مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونيات ـ سيدة لبنان، مساء الجمعة الماضي، التزمت موضوع احتفالات المئتي سنة الأسترالية، فروت حكاية الهجرة الأولى، وجسّدت معاناة اللبناني في وطنه، إلى جانب معاناته في مغتربه، وطموحه الى بناء الذات، وحنينه الى وطن اغترب عنه هذه المرة، بعدما كان قد شعر بالغربة وهو فيه.
   وقد نجح شربل بعيني في اختيار موضوع مسرحيّته الذي جاء منسجماً والاحتفالات الاسترالية بمناسبة مرور 200 عام على الاستيطان الابيض في هذه البلاد، فكأني به أراد بها تسجيل إسهام بني قومه في بناء صرح أستراليا الحديثة.
   "بو يوسف" المهاجر اللبناني الأول، الذي ترك لبنان إلى أميركا، وألقته السفينة في أستراليا خطأ، لم يلبث أن تعلّم "كيف يخلّص حالو" باللغة الانكليزية، وباع عدداً من السبحات التي جلبها من الأماكن المقدسة، وبدأ بإرسال الأموال إلى زوجته في لبنان، فكانت هذه الأموال حافزاً إيجابياً، دفع شباب القرية الى الهجرة، بعد الدافع السلبي المتمثّل بالإقطاع المحلي، وضيق رقعة العيش.
    وتمضي سنون، ويغدو "بو يوسف بي المغتربين"، يجلبهم من لبنان، يسكنهم في بيته، يترجم لهم لدى الأستراليين، ويسعى لإيجاد العمل لهم. فيكثرون هنا، يتزوجون، أو يستقدمون زوجاتهم. يتكاثرون، يتركون كشّات بيع الألبسة، والأدوات المنزلية، والحراتيق، ويؤسسون المحلات التجارية، ويفتحون المكاتب المتخصصة في الطب والمحاماة والصحف والسفريات، إلى جانب محلات "الميلك بار" و"الميكس بزنس" والخضار والفواكه والتاكسي.
   ولا غرو، فهؤلاء الذين جاؤوا كي يجمعوا قرشين ويعودوا، تعذرت عليهم العودة بسبب الاقطاع واحوال البلاد والحروب المتلاحقة، التي كان آخرها واشدّها إيلاماً، حرب الـ 13 سنة الحالية، فإذا بالذين جاؤوا على أمل العودة الى الوطن يجلبون إليه وطناً صعبت عليهم العودة إليه.
   بلسان الأطفال الصغار روى شربل بعيني قصص الكبار، وهو ما لجأ إلى ذلك تهرباً من مسؤولية، أو انتهاجاً لدبلوماسية على طريقة "كليلة ودمنة"، فمعظم العبارات التي شرقطت في المسرحيّة، إن لم نقل جميعها، تجد قصيدة له هنا، أو بيت شعر هناك، و"تيس الزعامة" الذي كنا نقرأ عنه في القصيدة، جسّده الممثلون الصغار على المسرح، ورفعوا أصوات التحدي حادة عالية في وجهه، وهددوه ان هو استمرّ في تيسنته وتسلطه، فسيأتي يوم لا يجد شعباً يبسط سلطانه عليه.
   في "ألو أستراليا" المسرحية كل الحب لأستراليا الوطن، الذي احتضن المهاجرين اللبنانيين، ولأستراليا الشعب الذي أحب المهاجرين، وشغف بطيبة قلبهم، وصلابة عزيمتهم، وقوة طموحهم، فساعدهم وأفسح لهم يشقون الطريق بعزم وثبات.
   وفي "ألو أستراليا" تغنٍ باللبنانيين الذين بنوا وعمروا وأسسوا وأسهموا في بناء صرح هذه البلاد. فكاميرا شربل بعيني ما التقطت إلا الإيجابي من الطرفين، وهو الغالب والأكثر، أما السلبي عند الطرفين فقد غضت الطرف وتجاهلته، وكم نرجو أن تنتفي هذه السلبيات وتتضاءل ليبقى وجه الجالية المشرف مشرقاً على الدوام.
ملاحظات:
   لكننا، ونحن نثني على شربل بعيني لاختيار هذا الموضوع هذا العام بالذات، ونهنيء أنفسنا براهبات العائلة المقدّسة ومدرستهم المعطاءة، لا يسعنا إلا وأن نسجل بعض الملاحظات آخذين بعين الاعتبار "موسم الانفلونزا" الذي ضرب التلاميذ الممثلين، مما أثّر على ادائهم المسرحي هذا العام، فجاءت "ألو أستراليا" أضعف مسرحياً من سابقتها "فصول من الحرب اللبنانية"، التي سبق لشربل وتلامذته ان قدموها العام الدراسي الفائت.
   1ـ ألفت الانتباه الى أن فستان أم يوسف الجميل وسكربينتها البيضاء، لم يتغيّرا طيلة المسرحيّة، وهذا خطأ، ذلك أن سفر بو يوسف الى أستراليا، وإرساله الأموال الى زوجته في لبنان، لا بد وان يحدث تبدلاً في طريقة عيشها ولباسها، لذلك كان من المفروض أن تظهر أم يوسف بفستان متواضع قروي في اول المسرحية، ثم بفستانها الأبيض بعد تدفّق الدولارات.
   2ـ أدخل شربل بعيني الى المسرحية قفشات خناقة بين أم يوسف وجارتها، وهذه القفشات، الى جانب كونها بعيدة عن صلب الموضوع، أساءت الى الذوق كثيراً، خصوصاً عندما تتردد فيها عبارات العنف الجارحة مثل "شرب الدم"، و"تكسير العظام"، إلى ما هنالك من العنتريات التي وإن كان بعضها واقعياً، فمعظمها مبالغ فيه، ولا نحب أن ننقلها الى مسامع أطفالنا في هذا البلد.
   3ـ كنا نتوقّع أن يشير شربل بعيني الى التقدم التجاري الذي بلغه "باعة الكشّة" السابقين، فنفخر بهم، ونذكر أطفالنا على الأقل، أن هؤلاء من وطنهم، تعبوا وجدوا في هذه البلاد فنجحوا.. والأمثلة كثيرة، ولا شك ان شربل يعرف ذلك.
   فآل سكاف، وآل الغزال، ومنصور، المشهورون في حقل الملبوسات، وآل المعلوف في امتلاك الأراضي والطب والمحاماة، والأديب ديفيد معلوف الذي نال جائزة باسكال الأدبية منذ شهرين، الى جانب آخرين لا حصر لهم في جميع الشؤون الحياتية.
   ونحن إذ نسوق هذه الملاحظات، إنما نفعل بعدما لمسنا لدى الشاعر شربل بعيني بعضاً من الاحتراف المسرحي ذي المستوى، برهن عنه في إعداد وإخراج مسرحية لأكثر من ثلاث مئة مميثل ومميثلة، واستطاع للمرة الثانية أن يقدّم المسرحيّة دون أن يدع الرتابة تهاجم عقولنا، أو أن يترك النعاس يداهم جفوننا، فالتنويع بكل فنونه كان طوع بنان شربل، إذ نقلنا من مكان الى آخر بين لبنان وأستراليا، وأدخل الى مسرحيته أصوات "البابور" الباخرة، ليوقظنا، كما جعل الموسيقى ترافق المشاهد، واعتمد التلوين الاستعراضي مراوحاً بين التمثيل والدبكة والغناء، فنجح في جعلنا عيوناً شاخصة الى مسرحه، مشدودة الى أبطاله الصغار.
   وإذا كان شربل بعيني يقيس نجاح المسرحية بمدى إقبال الأهالي على شراء بطاقات سحب اليانصيب، وقد تهافتوا الى ذلك، فللنجاح مقاييس أخرى أهمها أن لا نسمع شخير من يجلس بجانبك، أو أن تضطر الى نكع مرافقيك، أو تشاهد أحداً يتثاءب فتفعل المثل.
   ولشربل بعيني تجربة غنية في هذا المجال، عندما غفا على كتفيه رفيقان له وشخرا في حفلة سيد مكاوي "الأرض بتتكلّم عربي"، وهذا في نظري حضيض الافلاس.
القنصل عون وضعف نسبة العلم في الجالية
    مسرحية "ألو أستراليا"، حضرها عدد كبير من أهالي تلامذة مدرسة سيدة لبنان، فامتلأت قاعة الكنيسة بهم، وجمهور غفير من المدعوين، في مقدمتهم قنصل لبنان العام في سيدني د. جيلبير عون، والدكتورة سمر العطار برفقة زوجها جيرارد، وكهنة ورهبان وراهبات، والاستاذان فؤاد نمور وكامل المر.
   وبعد انتهاء المسرحية ألقى القنصل العام عون كلمة شكر فيها رئيسة المدرسة الأخت كونستانس باشا على دعوتها له الى هذه المسرحية "التي كان لي شرف حضورها معكم"، وأثنى على نشاط الراهبات والاستاذ بعيني وتلامذتهم، وشدد على ضرورة تشجيع الأهالي لأبنائهم، كي يتابعوا تحصيلهم العلمي، وتخصصهم الجامعي، داقاً ناقوس الخطر، معلناً أن الجالية اللبنانية تحتل الرقم الأول في سحب أبنائها من المدارس بعد المرحلة الثانوية، وهي بذلك صاحبة النسبة الأقل في المعاهد الجامعية.    ورأى د. عون أن أفضل شيء يمكن أن نعطيه لأولادنا هو مساندتهم وحثّهم على متابعة تخصصهم الجامعي.
   الأخت مارلين شديد شكرت شربل بعيني بأبيات شعرية على هذه المسرحية التي "عصرها قلب وفكر شربل بعيني، فجاءت الحفلة تحفة وأدب"، بينما كانت المطربة الصغيرة ريما الياس تقدم له هدية "ما عرفنا شو فيها"، وكانت ريما قد لعبت في المسرحية دور حفيدة "بو يوسف"، وقد شاركت في عدة أغنيات أهمها أغنية "يا جدي"، التي ألفها شربل ولحنتها الفنانة وفاء صدقي.
   ولم ينسَ تلامذة سيدة لبنان رئيسة مدرستهم الأخت كونستانس باشا، فأهدوها سلة زهر، حوشوها من حدائق صدورهم المملؤة امتناناً وتقديراً لعطاء الرئيسة في سبيلهم. أما الأخت مادلين بو رجيلي فقد نظمت دخول الممثلين خلف الستار كل في دوره المعيّن، فجاء العمل متناسقاً.
صدى لبنان ـ العدد 603 ـ 5/7/1988
**